ماسك وترامب: صدام المصالح الذي يهدد إمبراطورية الأعمال

في منعطف سياسي واقتصادي حاد، اتّخذ التوتر المتصاعد بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب والملياردير إيلون ماسك بعدًا جديدًا، بعدما حذَف الأخير تغريدات سابقة هاجم فيها ترامب على منصته “إكس”، في مشهد يعكس هشاشة التحالفات داخل معسكر المحافظين ويضع مصالح تجارية بمليارات الدولارات على المحك.

تحوّل التحالف السابق إلى صراع علني، كشف كثيرًا مما كان يُدار خلف الكواليس، وألقى الضوء على إمبراطورية ماسك المتشابكة، التي باتت مهددة بشكل مباشر بفعل الصدام مع من يُحتمل أن يعود إلى البيت الأبيض مجددًا.

تسلا: التوتر يضرب أساس الإمبراطورية

تُعد شركة تسلا حجر الأساس في ثروة ماسك، لكنها تواجه اليوم رياحًا معاكسة، ليس بفعل السوق أو التكنولوجيا، بل بسبب سلوك ماسك السياسي المثير للجدل.
فمنذ بداية العام 2025، تراجعت أسهم “تسلا” بأكثر من 20%، وقد بلغ النزيف ذروته يوم الخميس الماضي، حين تحوّل الخلاف مع ترامب إلى مشهد علني. خلال ساعات قليلة، خسرت تسلا أكثر من 150 مليار دولار من قيمتها السوقية، وتقلّصت ثروة ماسك بنحو 34 مليارًا.

الأزمة لم تقتصر على الأسهم، بل شملت أيضًا صورة “تسلا” لدى جمهورها التقليدي من الليبراليين والمدافعين عن البيئة، والذين بات بعضهم يُعبّر عن خيبة أمله صراحة، حتى أن بعض مالكي سيارات تسلا ألصقوا ملصقات تقول: “اشتريناها قبل أن يجنّ إيلون”.

في أوروبا، انعكس هذا المزاج العام على الأرقام: انخفضت حصة تسلا السوقية بنسبة 50% في أبريل، رغم نمو مبيعات السيارات الكهربائية عمومًا. وفي الولايات المتحدة، يُهدد فقدان دعم ترامب، إن عاد إلى الرئاسة، طموحات ماسك في نشر السيارات ذاتية القيادة التي كانت تنتظر تخفيفًا تنظيميًا محتملًا من إدارة جمهورية.

سبيس إكس: عقود بمليارات على حافة الهاوية

الضربة الثانية قد تكون أكثر خطورة، إذ تطال شركة “سبيس إكس”، التي تُعد الشريك الأكثر أهمية لوكالة “ناسا”، والمستفيد الأكبر من العقود الحكومية في مجالات إطلاق الأقمار الصناعية ونقل رواد الفضاء.

تداخل المصالح بين “سبيس إكس” ووكالة الفضاء الأميركية وصل إلى ذروته، لكن تهديدات ترامب بإلغاء العقود الحكومية تفتح بابًا على مصير مجهول. فقد ألمح ماسك في خضم التوتر إلى احتمال سحب مركبة “دراغون” الفضائية من مهامها، قبل أن يتراجع لاحقًا عن التصعيد.

وفي ظل ارتباط “سبيس إكس” بمهام أمن قومي حساسة، فإن خسارة الثقة السياسية قد تُربك الخطط المستقبلية للشركة وتُضعف موقعها كمُزوّد استراتيجي للولايات المتحدة.

إكس إيه آي: الذكاء الاصطناعي يدخل حلبة السياسة

منصة ماسك الجديدة في مجال الذكاء الاصطناعي، “إكس إيه آي”، تمثّل طموحه لمنافسة “OpenAI” التي شارك في تأسيسها سابقًا. لكن دخول السياسة على الخط يُهدد بانحراف المشروع عن مساره.

ففي الوقت الذي وقّع فيه خصمه سام ألتمان اتفاقيات ضخمة مع البيت الأبيض تحت مظلة مشروع “ستارغيت”، سعى ماسك في الكواليس لتقويض المشروع، معوّلًا على فيتو محتمل من ترامب في حال فاز بالانتخابات، وذلك في ظل استبعاد “إكس إيه آي” من المبادرة.

وقد زاد تعقيد المشهد حين دمج ماسك بين شركته للذكاء الاصطناعي ومنصته الاجتماعية “إكس”، ما جعل المعركة السياسية تؤثر مباشرة على قطاع واعد بأرباح ضخمة، وتضع مستقبله في مهب التقلّبات.

انكشاف اقتصادي خلف قناع التأثير

في خضم هذا السجال الحاد، بات من الواضح أن إيلون ماسك لا يملك ترف الدخول في عداء مباشر مع أقوى رجل محتمل في الدولة الأميركية. ومع أن ماسك لطالما تغنّى باستقلاله وقدرته على المناورة، إلا أن “الواقعية السياسية” تفرض نفسها حين تُهدد مصالح بحجم عشرات المليارات من الدولارات.

كما أن إقدامه على حذف منشوراته المسيئة لترامب، عقب ساعات من نشرها، يُظهر حجم الضغط الواقع عليه سواء من المساهمين، أو من دوائر القرار التي يتطلّع ماسك لأن تظل في صفه.

spot_img

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا