فقدت الساحة الفنية التونسية والعربية أحد أبرز رموزها بوفاة مغني الراب الشهير أحمد العبيدي، المعروف باسم «كافون»، ظهر السبت 10 مايو 2025، عن عمر ناهز 42 عامًا، بعد صراع مؤلم مع مرض نادر في الشرايين تسبب في بتر ساقيه وتدهور حالته الصحية.
ولد كافون سنة 1983 في تونس، وبدأ حياته في بيئة قاسية طبعها الفقر والتهميش، قبل أن يجد في موسيقى الراب ملاذًا ومتنفسًا للتعبير عن غضبه وتمرده وأحلامه المحطّمة. كانت بداياته مرتبطة بمعاناة شبابية حقيقية، حيث واجه الإدمان ودخل السجن بسبب قضايا مخدرات، لكنه عاد لاحقًا لينهض من رماده ويصنع اسمه في سماء الفن.
انطلقت شهرته الواسعة بعد مشاركته في أغنية «حوماني» إلى جانب الفنان محمد أمين الحمزاوي، التي تحولت إلى نشيد شعبي غاضب، عبّر فيها عن قضايا المهمشين ومعاناة شباب الأحياء بعد ثورة جانفي. استطاع عبر هذه الأغنية أن يصنع صوتًا خاصًا ويمتلك جمهورًا واسعًا تجاوز الحدود، قبل أن يصدر لاحقًا أغانٍ مؤثرة وناجحة مثل «مهبولة» و«ديما زهي» و«دلولة»، ويخوض تجربة التمثيل في فيلم «وه!» سنة 2016.
ورغم نجاحاته الفنية، لم تخلُ حياة كافون من الآلام الشخصية واللحظات العاصفة، حيث عانى خلال السنوات الأخيرة من مرض نادر أصاب شرايين قدميه، خضع على إثره لبتر قدمه أولًا، ثم جزء من ساقه الأخرى، قبل أن تشتد حالته في أوائل 2025 ويدخل في أزمة صحية لم ينجُ منها.
محطات من حياته العاطفية.. زيجتان ونهايات قاسية
على الصعيد الشخصي، عاش كافون تجربتين زوجيتين شكّلتا محطات مفصلية في حياته. في عام 2019، عقد قرانه للمرة الأولى، لكن زواجه لم يستمر أكثر من شهرين، إذ أعلن انفصاله سريعًا دون الكشف عن تفاصيل دقيقة. واكتفى بمنشور مؤثر ألمح فيه إلى فشل العلاقة بسبب غيرة مفرطة وافتقارها إلى النضج والتفاهم، كتب فيه:
«الحب ليس رومانسية مفرطة أو اهتمامًا مزعجًا أو غيرة مسيطرة أو رسائل لا تتوقف، الحب هو أن أدعوا لك دون أن تعلم، واهتم بك حين أراك لست بخير، وأكون معك حين تحتاج إلي…».
تلك الكلمات المؤلمة عكست خيبة أمله في تلك التجربة، والتي تردد أن نتيجتها طفل واحد لم تؤكد المصادر وجوده بشكل رسمي.
وفي عام 2024، تزوّج للمرة الثانية من الباحثة القانونية والدكتورة الجامعية إلهام الشيحي، التي ارتبط بها بعيدًا عن أضواء الشهرة، في أجواء عائلية حضرها عدد من الفنانين التونسيين. ظهرت إلهام، المعروفة على إنستغرام باسم «elhem_chihi»، كداعم حقيقي لكافون في أزماته الصحية، ورافقته في مراحل مرضه حتى لحظة وفاته، لتبقى زوجته على ذمته حتى النهاية.
أثره الفني.. من وجع السجون إلى صدارة المنصات
ترك كافون إرثًا غنائيًا صادقًا، تميز بلهجته المباشرة ومواضيعه الحياتية، لامس فيه وجدان الجيل الصاعد، خصوصًا أبناء المناطق الشعبية. كانت أغنيته «نحب نڨلع» نقطة تحول في مشواره، إذ تخطت حاجز الـ101 مليون مشاهدة على يوتيوب بعد سبع سنوات من إطلاقها، لتجسد نجاحه رغم كل العوائق.
ورغم ما مرّ به من آلام في الجسد والروح، لم يفقد كافون صوته ولا قدرته على لمس الناس، فظل حاضرًا في قلوب محبيه، يكتب ويغني ويشارك جمهوره خواطره، حتى عندما كان جسده يضعف، بقي صوته صامدًا، معبرًا عن جيل بأكمله.