سبب وفاة عبد الحميد بن باديس

الشيخ عبد الحميد بن محمد المصطفى بن مكي بن باديس يُعدّ أحد أبرز الرموز الدينية والوطنية في تاريخ الجزائر الحديث، ومؤسس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين. وُلد في 11 ربيع الآخر سنة 1307هـ بمدينة قسنطينة لعائلةٍ عريقة مشهورة بالعلم والجاه، نشأ في بيئة متدينة وتلقى علومه الأولى في مساجد قسنطينة قبل أن ينتقل إلى تونس ليلتحق بجامع الزيتونة سنة 1326هـ، حيث درس على يد كبار العلماء أمثال الشيخ محمد الطاهر بن عاشور.

عاد إلى الجزائر بعد أداء فريضة الحج، وأطلق مشروعه الإصلاحي الذي كان يؤمن من خلاله بأن مقاومة الاستعمار الفرنسي تبدأ بنشر العلم، وتطهير العقيدة، وبناء الإنسان. بدأ بإلقاء دروس تفسير القرآن في الجامع الأخضر، وسرعان ما توسعت نشاطاته التعليمية والتربوية، فأنشأ مكتبًا للتعليم ثم التحق بالجمعية الخيرية الإسلامية التي أسهمت في نشر اللغة العربية والدين والأخلاق بين الجزائريين.

وكان من أول الداعين إلى تعليم المرأة وتحريرها من الجهل، وشجع على إنشاء الجمعيات المماثلة في مختلف أرجاء الجزائر، مؤكداً أن بقاء الأمة مرهون بتمسكها بالإسلام، وأن التربية والتعليم هما السبيل الوحيد للنهوض.

في عام 1349هـ وبعد احتفال فرنسا بمئوية احتلال الجزائر، ازداد وعي الجزائريين بخطر محو هويتهم، فدعا العلماء إلى تأسيس جمعية تُواجه الاستعمار وتُوحد الصفوف، فكانت جمعية العلماء المسلمين التي انتُخب ابن باديس رئيساً لها، واتخذت شعار «الإسلام ديننا، والعربية لغتنا، والجزائر وطننا». نجحت الجمعية في إعادة إحياء الشعور الوطني والديني بين الجزائريين، وأثارت قلق السلطات الفرنسية التي سارعت إلى قمع نشاطاتها بإغلاق المدارس وسجن المعلمين، ومراقبة العلماء.

سبب وفاة عبد الحميد بن باديس

عارض ابن باديس بشجاعة الاحتلال الفرنسي ورفض شرعيته، وكان يكتب في الصحف ويخطب في الناس، مؤكدًا أن الجزائر ليست فرنسية ولن تكون، وأطلق العديد من الصحف مثل «المنتقد» و«الشهاب» و«البصائر»، التي شكلت منابر قوية للفكر الإصلاحي وللدفاع عن الهوية الإسلامية والوطنية.

أما عن وفاته، فقد توفي الشيخ عبد الحميد بن باديس في 8 ربيع الأول عام 1359هـ الموافق 1940م، بعد معاناة مع التعب والإرهاق الشديد نتيجة جدول أعماله المكثف، إذ كان يُلقي ما يقارب 15 درسًا يوميًا، ويقوم برحلات تعليمية نهاية كل أسبوع، بالإضافة إلى تنقله بين المساجد والمنازل لإلقاء الدروس وتحضيرها. ورغم الشائعات التي رُوّجت بعد وفاته حول تعرضه للتسميم أو إصابته بمرض خبيث، فإن الحقيقة المؤكدة هي أن الوفاة كانت طبيعية، وقد حضرها طبيبان أحدهما جزائري والآخر فرنسي، إلى جانب شقيقه زبير.

سبب وفاة عبد الحميد بن باديس

توفي الشيخ في منزله في مدينة قسنطينة، بعد حياة حافلة بالنضال والكفاح والتنوير، وشيّعه الآلاف في جنازة مهيبة، وبقيت أفكاره ومبادئه حيّة في وجدان الشعب الجزائري الذي لم ينسَ دوره في صياغة الوعي الوطني والتأسيس لحركة تحررية فكرية قاومت الاحتلال بالقلم قبل البندقية.

spot_img

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا